الدرس الخامس في سلسلة التغيير مع أداة التغيير الثانية
قوة العقل الباطن.
في الدرس الرابع للتغيير كان قد تم التركيز على قوة الوعي والتي كانت
الأداة الأولى للتغيير، والتي اشتملت على مفهوم الوعي ومعنى وقيمة الحياة ومفهوم
المعرفة واهميته بالنسبة للحياة، حيث لا حياة بدون معرفة ولا معرفة بدون حياة ،
كما تناولنا شروط الحياة الصحيحة والمتمثلة بمعرفة الذات وتحقيق الفضيلة والواجب
للمصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة وصولا الى مرحلة الكمال وجودة الحياة والتمتع
بالحكمة. وكان هناك واجب القيام بالتدريبات اللازمة لكتابة وتحديد المبادئ
الجوهرية وتمثل الفضائل في أسلوب الحياة والتصرفات والافعال.
اليوم نستكمل موضوعنا في التغيير مع الأداة الثانية في علم التغيير الا
وهي:
قوة العقل الباطن.
انت تستطيع ان تتغير نحو الأفضل عندما تعرف كيف تتعامل مع عقلك الباطن
وتفهم الية عمله ومحتواه.
(العقل الباطن كنز ثمين مدفون بالجهل ووهم المعرفة والخرافات.)
تسعون بالمائة من حياتنا تأتي من مساهمات العقل الباطن، بينما العشرة
بالمائة تأتي من انتاج العقل الواعي.
ان العقل الباطن مستودع كبير للطاقة (الطاقة تمثل القوة المحركة اللازمة
للأنشطة والافعال من أجل تحقيق الأهداف.)، فالعقل الباطن قوة كبيرة ومستودع ضخم من
الطاقة الفاعلة التي لا يمكن الاستفادة منها الا بوجود التحفيز المناسب والذي يعد
بمثابة الإشارة التي تفتح مستودع الطاقة الكبير في عقلك الباطن.
السؤال المهم الان ما لذي يحفزك؟ هل هو طلب الأمان وصناعة مستقبلك الأفضل
أم ماذا؟
هل انت شخص تتحفز داخلياً من أحاديث الذات الإيجابية أو الصور التي تراها
في رأسك، أم الأصوات التي تسمعها في راسك، أم أنك شخص يعتمد على التحفيز الخارجي
المرتبط بالمكافآت وعبارات الدعم والثناء، أم أنك شخص تتحرك حسب المثيرات التي
تنشا في حياتك فتشكل دافع قوي لك للقيام بالتغيير وفتح مستودع الطاقة، ام أنك شخص
تتحفز من خلال السعي لترك بصمة وأثر في الحياة.
لكل انسان مثيرات وحوافز وهي بمثابة الأسباب الدافعة نحو العمل والفاتحة
لمستودع الطاقة العظيم في عقلك الباطن. ان معرفتك للذي يحفزك واستخدامه بصورة
واعية يفتح لك أفاق عظيمة للاستفادة من الطاقة الكبيرة الموجودة في العقل الباطن،
وان جهلك بذلك سيبقيك بعيدا عن قدراتك الحقيقية.
وكما قلت سابقا ان مساهمة العقل الباطن في انتاج حياتنا تبلغ 90%، بينما
تبلغ مساهمة عقلنا الواعي في انتاج حياتنا بنسبة 10%.
ان مدى فهمنا للكيفية التي يعمل فيها العقلين مع بعضهما البعض بتناغم
وانسجام يمنحنا القوة والنشاط والحيوية، بينما إذا كانا في حالة عدم الانسجام فان
الصراع والضعف والتردد يظهران في حياة الانسان صاحب العقلين المتضادين، فالعقل الباطن
يحتاج الى العقل الواعي وكذلك العقل الواعي يحتاج الى العقل الباطن فلكل منهما دور
يؤديه في انتاج حياتك وتقدمك ورفاهيتك وتغيرك نحو الأفضل.
فدور العقل الواعي يكون بمثابة المدير، بينما العقل الباطن يلعب دور
المنفذ.
العقل الواعي يُجري المحاكمات العقلية والمنطقية ويقوم بالاستقراء
والاستنتاج، بينما العقل الباطن يقوم بالاستنتاج فقط ويتعامل مع النتائج التي يصل
اليها العقل الواعي.
العقل الواعي هو عقل التحليل والتركيب وعقل اللغة والرياضيات واتخاذ
القرار، بينما العقل الباطن هو عقل المشاعر والعواطف والانفعال والالم والحزن
والخوف والغضب والسعادة والفرح والابداع والابتكار والحدس والخيال والصور والحوار
الذاتي والاحجام والألوان والجمال والشفاء والدعاء والذكريات والمعتقدات والعادات
والتغيير والطباع والسلوك وحل المشكلات وعقل الوظائف اللاإرادية.
العقل الواعي يميز بين الخيال والواقع والعقل الباطن لا يستطيع التمييز بين
الخيال والواقع.
العقل الواعي يمثل الإرادة، بينما العقل الباطن يمثل القوة. نحن نحتاج الى
قوة الإرادة أي الى تشارك العقلين معاً.
العقل الواعي يسترخي وينام بينما العقل الباطن دائم العمل.
العقل الواعي لديه قدرة على معالجة المعلومات حتى أربعين معلومة بالدقيقة،
بينما العقل الباطن لديه القدرة على معالجة مليوني معلومة بالدقيقة وربما أكثر.
العقل الواعي متشائم، بينما العقل الباطن متفائل ولديه أمل.
العقل الواعي يصمم الأهداف، بينما العقل الباطن يسعى نحو تحقيق الأهداف.
العقل الواعي يدرك الوقت ويسايره ويفهم الماضي والحاضر والمستقبل، بينما
العقل الباطن لا يفهم الا الحاضر فالماضي فيه هو ذكريات تعاد في الحاضر، والمستقبل
لديه هو توقعات ونبوءات مستشرقة في الحاضر.
ان التعبير المفضل لدى العقل الباطن هو زمن المضارع الحاضر.
ان عبارة سوف أكون سعيدا تعني للعقل الباطن إنك لست سعيداً الآن، بينما
الذي يفهمه أكثر أنا أتمتع بالسعادة والفرح والحب والخير، فهذه الرسالة عندما
يفهمها العقل الباطن يرسلها الى كافة خلايا الجسد فيستجيب الجسد عندئذٍ بالتصرف
حسب محتوى الرسالة.
أساسيات برمجة العقل الباطن لترسيخ الرسائل فيه تكون من
خلال:
1 – التكرار ثم التكرار ثم التكرار. تكرار الرسالة بشكل يومي بمعدل ثلاث
مرات وفي كل مرة تكرار الرسالة من ستة مرات وحتى ستة وعشرين مرة ولمدة لا تقل عن
ستة وعشرين يوماُ. ان المثابرة على ذلك يؤدي الى رسوخ الرسالة في العقل الباطن حيث
يعمل على تحقيقها بالواقع عبر خطة عمل تنفيذية.
2 – الانفعال. ان إضافة انفعال عاطفي على تأكيد او ايحاء يجعله أكثر تأثيرا
وأكثر فاعلية. مثل عاطفة الحب والرجاء والود والشغف والفرح والحماس.
3 – استخدام زمن المضارع كما تم شرحه سابقاً.
4 – اعتماد المفهوم الواحد المهيمن. ان العقل الباطن يكون أكثر التزاما مع
المفهوم المهيمن عليه والذي يتحكم بسلوكك وافعالك. مثال إذا كان المفهوم المسيطر
في العقل الباطن هو المفهوم الإيجابي والتفاؤل والامل والحب والود فإنه سوف يطبع
كل سلوكياتك وتصرفاتك وتفكيرك بهذا المفهوم المسيطر، وعلى العكس تماما يمكن ان
يكون المفهوم المسيطر هو مفهوم سلبي فيطبع سلوكياتك وتصرفاتك وافكارك بهذا المفهوم
السلبي.
لذلك ان ترسيخ المردود الإيجابي عند الأطفال والطلاب الصغار عملية مهمة حيث
يجب الابتعاد عن التوبيخ واللوم ومنح الدرجات المتدنية. ان الطلاب الذين يتعلمون
بتقدير ذات عال يكون لديهم التفوق والمتعة في التعلم بشكل مرتفع.
5 – الايمان بقدرات العقل الباطن وعدم الشك فيه.
6 – الدخول الى العقل الباطن يكون من خلال التنفس العميق الواعي الذي يؤدي
الى حالة الاسترخاء.
تمرين الاسترخاء:
-
اختر مكان هادئ. يمكنك اجراء ذلك مستلقيا او
جالسا بشكل مرتاح.
-
قم بالتنفس ببطيء بالشهيق لسبع عدات والبطن
يكون الى الخارج.
-
احبس النفس لثلاث عدات.
-
قم بالزفير ودع البطن يدخل الى الداخل بمقدار
سبع عدات.
-
استمر في ذلك لمدة عشر دقائق.
-
استخدم العبارة التوكيدية او الهدف الذي ترغب
به او الإيحاء المناسب لك. يفضل تجهيز العبارة او الهدف او الايحاء مسبقا وتسجيلهم
على ورقة وحفظهم ومن ثم استخدامهم في كل عملية استرخاء ودخول الى العقل الباطن.
-
كرر ذلك ثلاث مرات في الصباح بعد الاستيقاظ
مباشرة، وفي الفترة ما بين الظهر والعصر يفضل في هذه الفترة ان تكون في حديقة
مفتوحة او سهل واسع او جبل وأخيرا في الفترة ما قبل النوم.
-
استمر في ذلك لمدة لا تقل عن ستة وعشرين
يوماً.
-
اجعل ذلك عادة لديك وبشكل مستمر.
كيفية تحقيق الأهداف؟
ان تعلمك لكيفية التحكم بعقلك الباطن يجعلك
شخص رابح ومنتصر، وإذا لم تفعل ذلك، فإن العقل الباطن سوف يتحكم بك.
المبدع (كولين هيلز) يشرح في ثلاث خطوات
كيفية تحقيق الأهداف، فقام بتشبيه العقل الباطن بالفيل الضخم، والعقل الواعي بشخص
يمتطي ظهر الفيل.
العقل الواعي يمتطي صهوة العقل الباطن، فاذا
لم يحدث بينهما التوافق والانسجام فانهما يدخلان في حالة صراع وتكون الغلبة لصالح
العقل البطن.
مثال: اذا كان العقل الواعي والمتمثل بالراكب
الذي يمتطي صهوة العقل الباطن والمتمثل بالفيل الضخم السير في اتجاه والعقل الباطن
الفيل السير في اتجاه اخر فان الفيل سوف ينتصر أي العقل الباطن حيث سيتوجه نحو
الاتجاه الذي يريده رغم كل المحاولات التي يبذلها الراكب على صهوة الفيل والذي هو
العقل الواعي في ابعاده عن ذلك انما لن يفلح.
لماذا ينتصر الفيل (العقل الباطن)؟
بسبب البرمجة التي تمت للعقل الباطن من قبل
التربية والتعليم والعادات والبيئة والإعلام والأصدقاء والمعتقدات والخبرات
والتجارب والالام والأفكار والمشاعر والوالدين بحيث تضخم الفيل (العقل الباطن)
بشكل كبير بسبب محتواه الذي دخل اليه منذ لحظات الطفولة وحتى اللحظة الراهنة.
ثلاث خطوات لتحقيق الأهداف:
1 -
ادخل في حالة استرخاء كما تم شرحه سابقا.
2 -
استخدم عقلك الواعي الراكب على صهوة العقل الباطن من خلال التقصد بتفكير
واعي للأشياء التي تريدها باستخدام التوكيدات الايجابية والاقتراحات البناءة
والاهداف المرغوبة والعواطف الإيجابية.
3 – تخيل النتيجة النهائية من خلال بناء
الصورة الذهنية التي تتناسب مع اهدافك واستمر بتكرار ذلك كما تم شرحه سابقا لمدة
لا تقل عن ستة وعشرين يوما حتى يبدأ عقلك الباطن(الفيل) بالتحول بالاتجاه الذي
يريده عقلك الواعي.
بعض قوانين العقل الباطن:
للعقل الباطن قوانين متعددة ومعرفتها والعمل
من خلالها تجعل نتائجك أكثر قابلية للتحقيق وتبعدك من حالة الفوضى والارتجال
والعشوائية الى حالة التيقن والمعرفة والتوقع المناسب للنتائج، وهذه بعض القوانين:
1 – قانون الجذب:
ان العقل الباطن يعمل كالمغناطيس، فانت تجذب
اليك ما هو موجود بداخلك.
2 – قانون التركيز:
ما تركز عليه تحصل عليه، فان ركزت على
السعادة والرخاء فإنك تحصل عليهم واذا ركزت على التعاسة والبؤس فانك تحصل عليهم.
3 – قانون التوقع:
أي شيء تتوقعه وتضع معه شعورك واحاسيسك سوف
يحدث في عالمك. ان توقعت الفشل فستجذبه اليك وان توقعت النجاح فسوف يكون لك بالطبع
من خلال الاخذ بالأسباب والتوكل على الله وليس التواكل.
4 – قانون الاعتقاد:
أي شيء تؤمن به بشكل قوي يصبح حقيقة واقعة،
كأن تؤمن بانك شخص منحوس، او تؤمن إنك شخص محظوظ.
5 -
قانون التراكم:
أي شيء تفكر فيه أكثر من مرة وتعيد التفكير
فيه بنفس الأسلوب وبنفس الطريقة وبنفس التوقيت سوف يتراكم في العقل الباطن كمن يظن
نفسيا بانه مريض ويكرر ذلك يوم وراء يوم.
6 – قانون القيم:
قراراتنا وتصرفاتنا وخياراتنا هي نتائج
لقيمنا ومعتقداتنا ومبادئنا الراسخة في داخلنا. ان ما نفعله وما نقوله والخيارات
التي نفضلها هي تعبير مطلق عما نؤمن به سواء اعترفنا بذلك ام لم نعترف.
7 – قانون التحفيز والمثيرات:
كما تم شرحه في بداية الدرس فكل ما نفعله
ونقوله ينطلق من رغباتنا الداخلية وحاجاتنا سواء أدركنا ذلك ام لم ندرك.
حدد معنى حياتك والأسباب التي تدفعك نحو
اهدافك وقم بتحديد اهدافك ثم ضع خطة تنفيذية لها وانت مليء بالأمل والتفاؤل.
8 – قانون التخيل:
التخيل هو المادة التي ينسج العقل من خلالها
الرداء الذي سيلبسه مستقبلك، فالتخيل أداة ذهنية قوية ومرنة من خلالها تصوغ
الأفكار ضمن اشكال مختلفة وملموسة لتصبح حقيقة واقعة.
التخيل جهد ذهني مقصود ومخطط وهادف فمن خلاله
تصنع مسارات عصبية حقيقية تصبح حقيقية في العالم الواقعي حيث يعمل العقل لا نجازها
وذلك ضمن خطة تنفيذية هادفة.
بالطبع يوجد قوانين أخرى لا يتسع المقام
لذكرها.
انتبه للكلمات التي تأتي بعد أنا وإنني:
أنا وإنني كلمتان ذات فاعلية عالية وما تقوله
بعدهما هي عبارات مؤكدة مرسلة الى عقلك الباطن، لذلك يجب ان نكون حذرين من
استخدامهما وواعين بما يأتي بعدهما.
إذا سألك أحدهما كيف حالك قل أنا أقضي أجمل
أيام حياتي، أو أنا أعيش الخير وأشعر بالصحة والعافية والابتهاج، إني انسان جميل
وذكي وانسان محب ومتعاون.
إذا كان هناك شيء من الانزعاج أو الألم
والوجع فتعود ان تقول انا أشعر ببعض الوجع حتى الان أو ببعض الانزعاج حتى الان.
استخدم عبارة حتى الان كي لا يكون هناك تعميم
للمستقبل.
الخاتمة:
ان العقل الباطن أداة من أهم أدوات التغيير،
ومن الضروري جدا الانتباه اليه والعمل على توظيفه لخدمتك والاستفادة من الطاقة
الكبيرة الموجودة به، وأخيرا يمكن تشبيه العقل الواعي بالفلاح النشيط والعقل
الباطن بالأرض الخصبة المعطاءة والتي تعطيك المحصول الوفير بحسب ما تزرعه في ارضك،
وبمقدار ما تعتني بها وترعاها، وفي العادة أي فلاح نشيط لديه ارض يبادر قبل ان
يزرعها الى تعشيبها وحرثها وإزالة الأحجار والموجودات التي تعيق نمو المحصول والتي
هي عادة تتمثل بالأفكار السلبية والمعتقدات الخاطئة والمشاعر السلبية والعادات
السيئة، ومن بعدها يقوم على اختيار البذور الجيدة التي سوف يزرعها في هذه الأرض
الخصبة التي تم تهيئتها بشكل صحيح، والبذور الجيدة هي التوكيدات الإيجابية
والتوقعات بالوفرة واختيار الأهداف المناسبة التي تحقق رغباتنا والتي تلبي
احتياجاتنا.
في الدرس القادم سوف نتعلم كيفية تنظيف العقل
الباطن من المعتقدات الخاطئة والأفكار والمشاعر السلبية والعادات السيئة.
حتى نلتقي أتمنى لكم الحب والخير والسعادة
وارجوا منكم تطبيق ما نتعلمه وتوظيفه في خدمتكم وخدمة اسركم ومجتمعاتكم. دمتم بخير
جميعاً.
أيمن قتلان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق