ربما ليس هناك ما هو أسوأ من الشعور بالوحدة، فبينما
تشعر بطريقك في الحياة، قد تكون قد عايشت هذه التجربة في الوقت الحالي، أو ريما
تكون قد اختبرتها في أوقات سابقة، أو ربما سوف تختبرها في الأيام القادمة، فلا
تكاد تخلو حياة الفرد من فترة يعاني فيها من الوحدة سواء كان في صغره أو شبابه، أو
شيخوخته، فالشعور بالوحدة هو شعور طبيعي نعايشه في أي وقت من الأوقات وجميعنا
معرضون لمواجهة ذلك الشعور.
الشعور بالوحدة أمر مؤلم وغير مريح، وبنفس الوقت يقدم
لنا رسالة ذات قيمة عالية، على أن هناك شيء معطوب ومكسور، وأنه بحاجة إلى اتخاذ
إجراءات تصحيحية، فالشعور بالوحدة علامة تدل على أنك مبتعد عن الأخرين، أو أنك غير متصل مع نفسك بشكل
صحيح، الشعور بالوحدة فرصة قوية تدفعك لبناء العلاقات الحقيقية ذات المغزى
والمعنى مع الأخرين، ومع نفسك، بدلاً من الانسحاب أو الهروب والاعتزال.
الشعور بالوحدة هو صوت بداخلك يصرخ ويقول: أنا أحتاج إلى
شخص أهتم به، ويهتم بي.
الشعور بالوحدة يمثل عاطفة إنسانية عالمية معقدة وفريدة
من نوعها لكل فرد، فإن الوقاية والعلاج من هذه الحالة الذهنية التي يمكن أن تكون
ضارة، يمكن أن تختلف بشكل كبير.
على سبيل المثال، طفل وحيد يكافح من أجل تكوين صداقات في
مدرسته تكون لديه احتياجات مختلفة عن رجل مسن وحيد توفيت زوجته مؤخراً.
من المهم أن نعرف بأن مشاعر الوحدة ليست مرضاً، كما انها
ليست حقيقة، إلا في ذهنك أنت فقط، وأن هذه المشاعر لا تدل على أنك شخص غير محبوب
أو شخص خاطئ، أو أنك شخص غير مرغوب به، وأن كل هذه الشعور نتيجة لما يخبرنا به
عقلنا.
وكونك تشعر بالوحدة فهذا لا يعني أنك غريب أو أنك إنسان
مختلف، الكثير من الناس يميلون إلى الشعور بالوحدة أثناء أحداث الحياة الكبيرة مثل
موت أحد الوالدين، أو وفاة الزوج أو الزوجة، أو فقدان الأصدقاء والعلاقات، فكل هذه
الأشياء تجعلك تشعر بالوحدة والضياع والفراغ، وقد تضعك في موقف يصعب عليك التواصل
مع الأشخاص من حولك.
إن الشعور بالوحدة قد لا تعني بالضرورة، على إنك إنسان
تعيش منفرداً، فقد يكون حولك الكثير من الناس والعديد من الأصدقاء، ومع ذلك يتكون
لديك الشعور بالوحدة، فها هو صديقنا رأفت يعيش وحيداً، وهو اجتماعي جداً، ولديه
العديد من الأصدقاء الذي يقضي معهم الكثير من الوقت، ومع ذلك فهو يشعر بالوحدة
والحزن وخيبة الأمل، لأن صداقاته لا تفي باحتياجاته ولا تحقق له الشعور بالرضا
وبالإشباع، وعلى الرغم من حياته الاجتماعية المزدحمة نجده يشعر بالوحدة.
بينما صديقنا رياض يعيش أيضاً بمفرده، ولديه ثلاثة
أصدقاء مقربين منه جداً، ويراهم بين فترة وأخرى ومن حين إلى أخر، وعندما يلتقون مع
بعضهم البعض، يقضون وقتاً ممتعاً في الحديث عن الأحداث الجارية والرياضة والمعرفة
والمشاعر، كما أنهم يمتلكون أراء متشابهة حول صناعة المستقبل وتحدياته. أن رياض
سعيد جداً بأصدقائه رغم قلتهم، ولا ينتابه أبداً الشعور بالوحدة.
إذاً من الملاحظ أن الشعور بالوحدة قد يأتيك وأنت محاط
بالناس، وقد لا يأتيك وأنت محاط بالقلة منهم، والفرق الذي يحدث فرقاً في الشعور
بالوحدة أو عدم الشعور بها هو نوعية العلاقات وجودتها، ومدى تحقيقها وتلبيتها
للاحتياجات العاطفية والاجتماعية والمعرفية، وليس عددها.
تعريف الشعور بالوحدة:
الشعور بالوحدة يمثل حالة من الاضطراب العاطفي الذي ينشأ
عندما يشعر المرء بالاستبعاد، أو سوء الفهم، أو الرفض من قبل الأخرين، أو في حالة
الافتقار إلى الأصدقاء والشركاء العاطفيين والاجتماعيين المناسبين لتلبية
الاحتياجات والأنشطة المرغوبة التي توفر الإحساس بالرضا والاشباع، والسعادة،
والنمو. ويمكن أن يكون الشعور بالوحدة حالة ذهنية تمنع الفرد من تكوين علاقات مع
أشخاص أخرين.
وكذلك يمكن أن يكون الشعور بالوحدة هو الشعور بالضياع، وفقدان
الاتجاه، والشعور بالفراغ والصمت، والشعور بغياب المشاعر الأخرى.
أسباب الشعور بالوحدة:
في عصرنا الرقمي والتكنولوجي المتقدم، أصبح هناك تزايد
في أعداد الأفراد الذين يشعرون بالوحدة، نتيجة عدم اهتمامنا بالأخرين وبنوعية
علاقاتنا معهم، فقد كان الناس مهتمون فيما مضى بتطوير وتعزير علاقاتهم والاعتناء
بها ورعايتها، وكانوا يعتمدون في ذلك على مبادئ التعاون والثقة والمساندة والتضامن
والتراحم، وكان ذلك في صلب عملية تطورنا واستمرار وجودنا في الحياة، إلا أنه من
الملاحظ حالياً، وبسبب ظروف مختلفة، وعلى رأسها وسائط التواصل الاجتماعي، وأجهزة
الخلوي والتاب والمحطات التلفزيونية الكثيرة، فقد أصبح من السهل على الناس البقاء
في منازلهم لفترات طويلة وهم يتنقلون ما بين الوسائط الاجتماعية، ومشاهدة
التلفزيون بدلاً من الانخراط في بذل جهد في بناء العلاقات وتطويرها وتعزيزها.
إن المشاهدة
المستمرة للتلفزيون والقيام بالتصفح والدردشة على النت لن تحقق حالة الرضا
والإشباع الحقيقي لاحتياجاتنا بالترابط العاطفي والاجتماعي والمعرفي، فنحن كائنات اجتماعية
تنمو وتزدهر من خلال العلاقات الحقيقية ومن خلال الناس الذين نحبهم ونهتم بهم.
إن أنشطة مشاهدة التلفزيون والتصفح على النت والدردشة
وتناول الطعام وشرب الكحول والمخدرات والتسوق، أو أي شيء أخر، لا يمكن أن يعطينا
هذا النوع من الارتياح الذي يمكن أن نحصل عليه من العلاقات الاجتماعية والعاطفية
والمعرفية.
هناك العديد من الأسباب التي قد تجعلك تشعر بالوحدة
والضياع وأهمها ما يلي:
1.
غياب الجودة في العلاقات الاجتماعية والعاطفية
والمعرفية.
2.
ربما أنت شخص انطوائي بشكل طبيعي ولا تحب التواصل كثيراً
مع الناس.
3.
وجود حادثة مؤلمة في حياتك حول العلاقات، مما يجعلك في
حالة صد لأي علاقة تقترب منك.
4.
قضاء وقت طويل على النت وشبكات التواصل الاجتماعي.
5.
انعدام الثقة بينك وبين الناس، ووجود حالة شك مرتفعة
بالأخرين.
6.
وجود عامل وراثي، فقد وجدت الدراسات أن أقل من خمسين
بالمائة من حالات الشعور بالوحدة تتبع العامل الوراثي، ومع ذلك يستطيع الإنسان
بالجهد والمثابرة والصبر في بناء علاقات صحيحة، تعمل على تصحيح الوضع الوراثي.
7.
وجود أمراض نفسية مثل الاكتئاب وثنائي القطب والقلق
الاجتماعي والخجل وانخفاض تقدير الذات واحترامها، وارتفاع حالات الغضب.
8.
وجود الإعاقة الجسدية، التي تتطلب احتياج خاص في
العلاقات.
9.
وجود التمييز العنصري والطائفي، الذي يمنع من تشكيل
روابط حقيقية في العلاقات الاجتماعية والعاطفية والمعرفية.
10.
عدم القدرة على التأقلم في المحيط القريب، نتيجة الشعور
بعدم الكفاءة أو النقص وغياب الثقة بالنفس.
11.
إساءة المعاملة وعدم الاعتراف بك من قبل الاخرين، من
خلال تعرضك للكذب أو التساهل أو عدم اللامبالاة أو الرفض أو التعرض لإساءات لفظية
تتسبب بجروح معنوية، تجعلك فيما بعد منغلقاً على نفسك.
مخاطر الشعور
بالوحدة:
تتسبب
الوحدة والشعور بها بمجموعة واسعة من الأثار السلبية على الصحة البدنية والنفسية
حيث تشمل ما يلي:
-
أمراض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية.
-
زيادة مستويات التوتر.
-
انخفاض القدرة على التذكر والتعلم.
-
ضعف القدرة على اتخاذ القرار.
-
الاكتئاب والحزن والملل والإحباط.
-
إدمان الكحول وتعاطي المخدرات وزيادة التدخين وتصفح
المواقع الإباحية والادمان عليها.
-
تعمل على تغيير وظائف الدماغ.
-
تساهم في تطور مرض الزهايمر.
-
حصول الشيخوخة المبكرة.
نصائح هامة
ومفيدة تمنع عنك الشعور بالوحدة:
1.
من المناسب أن نفهم أن الشعور بالوحدة على أنه علامة
لحاجة تدعونا إلى تغيير شيء ما، وإلى حاجتنا لبناء العلاقات وتطويرها وتدعيمها
وتعزيزها.
2.
تعامل مع الشعور بالوحدة على أنه حالة ذهنية، وليست حالة
حقيقية، وإن تلك الحالة ليست مرضاً، بل هي حالة بحاجة إلى إدارة من أجل التغلب
عليها، وأنها جزءاً طبيعياً من التجربة الإنسانية.
3.
تذكر أن جميع البشر يشعرون بالوحدة في بعض الأحيان وأن
معرفة ذلك يجلب لنا العزاء لأنفسنا كي نفهم بأننا لسنا الوحيدين بذلك الشعور،
فهناك شخصان يشعران بالوحدة من بين كل خمسة أشخاص.
4.
تفهم بشكل خاص معنى شعورك بالوحدة، فقد تكون محاطاً
بأفراد كثيرة، وقد تشعر بالوحدة، وقد تكون وحيداً زمع ذلك لا تشعر بشعور الوحدة
وذلك لكونك مثلاً انطوائياً وتستمتع ببقائك منفرداً. لذلك من الأهمية بمكان أن
تفهم المعنى الحقيقي لشعورك بالوحدة وما هي احتياجاتك الفعلية والتي في حال تحققها
تقضي على الشعور بالوحدة.
5.
تقبل وابذل جهد واعي من أجل إشباع حاجتك بالتواصل مع
الأخرين، فنحن كائنات اجتماعية وبحاجة الى بعضنا البعض.
6.
توقف عن لوم نفسك، أو لوم الأخرين في كونك أو كونهم
السبب في العزلة التي تعيشها، فمن البديهي أن تتوقع وجود العزلة بسبب طبيعة
المجتمع الحالي وتقنيات الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، والهواتف الذكية.
7.
حاول أن تتبنى سياسة اللطف مع الأخرين، لتساعدك على بناء
علاقات جيدة.
8.
انضم إلى المنظمات التي تعمل على مبادئ وقيم ومفاهيم
تماثل مبادئك وقيمك ومفاهيمك.
9. مارس
الرياضة بالهواء، وحاول أن تبني علاقة مع من يقومون بالرياضة مثلك.
10. قم بمساعدة المحتاجين، قم بالتطوع في بعض المشاريع
الخيرية.
11. حاول أن تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت
بحكمة.
12. أصنع لنفسك هواية وقم بممارستها وحاول أن تبدع فيها.
13. بادر إلى السفر والتعرف إلى أماكن جديدة وقم بالنزهات
بين فترة وأخرى.
14. أفتح دفتر مذكرات خاص بك، وقم بالتدوين به.
15. قم بترتيب وتنظيف منزلك بصورة مستمرة.
16. أذهب إلى أماكن العبادة بصورة منتظمة.
17. أبدأ بتكوين صداقات جديدة.
18. أستمع إلى الموسيقى التي تعجبك، أو إلى الأناشيد
والتراتيل الدينية، أو إلى قصائد الشعر.
19. كن صديقاً لنفسك، وافهم ذاتك، وتعامل بلطف مع نفسك
وكن رحيماً عليها.
20. أجعل لحياتك أهداف عظيمة وقم بتحقيقها لكي تترك بصمة
وأثر تخلد ذكراك.
21. ضع قائمة في احتياجاتك الاجتماعية والمواصفات التي
تتمناها في رفيق أو رفيقة المستقبل.
22. التحق بالبرامج التدريبية التي تناسب ميولك
واهتماماتك وطبيعة حياتك وعملك.
23. قم بالواجبات الاجتماعية على أكمل وجه، عندما توجه
لك الدعوة، أو عند معرفتك بأمر يستحق التقدم بالواجب إليه. كالأعراس، والجنائز،
والولائم.
24. أجعل كتاباً تقرئه بين يديك فهو خير جليس.
25. ضع خططاً لإدارة شؤون حياتك وقم بتنفيذها.
26. كن معطاءً أو كريماً، فمن خلالها تتحقق إنسانيتك،
فأقل ما يمكن تقديمه ابتسامة أو مصافحة حارة، أو قبلة، أو احتضان أو تقديم هدية إن
أمكن.
27. أخرج من منطقة راحتك ومن منطقة خوفك وقلقك وبادر في
بناء العلاقات والأعمال.
العمل مع الشعور بالوحدة:
1.
قم بتحديد وتسمية الشعور الذي تعيشه، وكن متأكد أنه الشعور بالوحدة، وليست
الشعور بالملل، فالشعور بالوحدة شيء مختلف تماماً عن الشعور بالملل، لذلك يجب أن
تكون دقيق في تسمية الشعور والتعرف عليه.
2.
تحديد أسباب الشعور بالوحدة، هل هو بسبب عدم وجود أصدقاء، أو أنه يوجد
أصدقاء إنما ليسوا بنوعية جيدة، ويمكن أن يكون السبب عدم التواصل الجيد مع نفسك
فقد تكون شخص ذو طبيعة انطوائية أو خجول، أو ضعيف الثقة بنفسك، أو أنك لا تمتلك
الوعي الكافي حول ذاتك أو أن تقديرك لذاتك منخفض، فمن المهم أن تستطيع تحديد السبب،
أو مجموعة الاسباب التي أدت بك إلى الشعور بالوحدة، فمعرفة السبب الحقيقي يؤدي بنا
إلى تحديد الإجراءات الصحيحة للتغلب على مشاعر الوحدة.
3.
تحديد الاستجابة المناسبة والإجراءات التي يمكن أن تلبي احتياجاتك لبناء
العلاقات المناسبة مع الأشخاص الذين يمكن أن يهتموا بك وتهتم بهم، وإليك بعض
الاقتراحات التي يمكن القيام بها:
أ.
أتصل بشخص تعرفه، وتشارك معه شيء ذا مغزى.
ب. تناول الغذاء مع الاصدقاء.
ت. تطوع للعمل بشكل جزئي مع أحد الجمعيات الخيرية.
ث. أنضم إلى نادي رياضي أو اجتماعي.
ج. التحق بالبرامج التدريبية التعليمية حول بناء العلاقات وفن التواصل.
ح. مارس التنزه بشكل منتظم.
خ. أحترف هواية ما، والتصق بها يومياً.
د. أحضر الدروس الروحية.
ذ. كوّن أصدقاء جدد يشاركونك نفس الأفكار التي تحملها.
ر. توقف عن مقارنة نفسك بالأخرين، وركز جهودك على نفسك.
ز. أسعى إلى تعزيز علاقاتك بالأفراد المحيطين بك وقم بجعلها
علاقات على جودة عالية من الحب والتعاطف والحنان.
س. أخيراً تذكر أننا لم نخلق لكي نعيش حياتنا بمفردنا، ولكن
هذا لا يعني أن البقاء لبعض الوقت مع أنفسنا ليس أمراً حيوياً. بل نحتاج إلى فعل ذلك
من وقتٍ لأخر لتجديد حيويتنا تجاه الأشخاص والعلاقات، وللتفكير بتصحيح ما هو بحاجة
إلى إصلاح، وما هو بحاجة إلى تعزيز، وما هو بحاجة إلى الإلغاء.
إن الحاجة إلى الأشخاص
وإلى العلاقات هي حاجة إنسانية عميقة وأصيلة، فنحن كائنات اجتماعية ونحتاج إلى
بعضنا البعض باستمرار من أجل تعزيز نمونا وازدهارنا وسعادتنا، فلا يمكن للإنسان أن
يعيش منفرداً، تحت أي ظروف من الظروف، لذلك علينا أن نبادر لتكوين العلاقات
والحفاظ عليها، من أجل حياة ممتعة وصحية، وقد تعرفنا في هذا الفصل على حكمة الشعور
بالوحدة وعلى الصوت الداخلي الذي ينادي أنا بحاجة إلى رفقة إنسانية أهتم بها،
وتهتم بي، وحان الأن الوقت للانتقال إلى حكمة الشعور بالنقص وهذا ما سيناقشه الفصل
القادم، فإلى هناك.
د. أيمن قتلان
ماشاءالله مواضيعك هادفه ومثمره جزيت خيرا
ردحذفمؤسسة الوطنية للخدمات المنزلية
ردحذفارقام دينات في الرياض
شركة نظافة بالرياض
شركة مكافحة البراغيث بالرياض