حكمة الشعور بالملل
والضجر
الشعور بالملل لا يتصف
بالسلبية، كما هو الحال مع بقية المشاعر، قد يكون الشعور بالملل حافزاً يدفعنا إلى
أن نكون متفوقين، أو أن يُشعرنا بأننا أكثر ذكائاً، وأكثر نشاطاً من الأفراد الذين
حولنا.
الشعور بالملل قد يقودنا
إلى حافة الجنون، أو قد يمنحنا أفكاراً إبداعية خلاقة بشكل لا يصدق، وكل هذا يتوقف
على كيفية إدارتنا لمشاعر الملل.
مشاعر الملل قد تدفعنا
إلى تدمير أنفسنا، أو قد تدفعنا نحو إعادة بناء أنفسنا عبر المزيد من التأمل
الذاتي في فهم مشاعرنا، وأفكارنا، وسلوكياتنا، واحتياجاتنا، ومواردنا، وقدراتنا،
ونتائجنا وأهدافنا الحالية، وعلاقاتنا، وأدائنا لأعمالنا.
إن الملل أصبح شعور
منتشر بكثرة في ظروف المجتمعات الحالية حيث تكثر وسائل الترفيه وتغيب الأهداف
الصحيحة، وتكثر التحديات، ولا يأتي وقت إلا ويمر معظمنا بحالات من الضجر والملل،
وضعف الرغبة بالقيام بالأعمال، وانخفاض الإنتاجية وقلة الإنجاز، وزيادة الفوضى،
وضعف التحفيز والدافعية، وعدم القدرة على اتمام المهام حتى نهايتها، مع انخفاض
جودة الأعمال.
-
تعريف الملل:
إن الطريقة الأكثر
شيوعاً لتعريف الملل، هي عدم وجود شيء للقيام به، أو ضعف جودة التركيز في الانتباه
على المهام والأولويات، كما يُنظر إلى الملل بشكل عام على أنه حالة عاطفية مزعجة
يشعر فيها الفرد بعدم الاهتمام، وصعوبة في التركيز على النشاط الحالي أو هو إدراك
لعجز الحياة نتيجة لتطلعات لم تتحقق، أو يمكن القول بأن شعور الملل هو شعور بعدم
الرضا نتيجة وجود طاقة كبيرة لا يوجد لها مكان كي يتم الإفراج والتعبير عنها.
إن الملل تجربة عالمية،
يعاني كل شخص تقريباً في مرحلة من مراحل حياته حالة من الملل والضجر، ويعاني
الرجال عموماً أكثر من النساء من حالة الملل والضجر، كما أن استمرار الضجر والملل
قد يؤدي إلى مشاعر الوحدة والغضب والحزن والقلق، والملل يدفع إلى حالات الإدمان في
الطعام ومشاهدة التلفزيون واستخدام وسائط التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية
وصولاً إلى الإدمان على المخدرات والكحول والقمار.
-
حكمة الشعور بالملل:
عندما تشعر بالملل
والضجر يجب أن تدرك بداية على أنك بحاجة إلى النمو والتطور والتحدي، فالحياة المليئة
بالتحدي والنمو لا تسبب لك الضجر أو الملل.
إن عدم قدرتك على تلبية
احتياج النمو والتطور، وعدم قدرتك على ممارسة قدراتك ونشاطك الحيوي في المكان
المناسب والصحيح، وعدم وجود أهداف واضحة واولويات محددة، سوف يؤدون بك إلى الشعور
بالملل والضجر، واستخدام المشتتات والمُلهيات لصرف أنتباهك عن هذا الشعور المزعج.
إذا كنت تشعر بالملل
والضجر فيجب أن تسأل نفسك، هل يوجد في حياتي وعملي تحديات كافية تبعدني عن الملل؟
ملاحظة: إن قيامك بأعمالك الروتينية، وانشغالك طوال الوقت، فهذا
لا يعني بأنك لست إنساناً ملولاً.
التحديات هي التي تجعلك
تنمو وتتطور نحو الأفضل، وهي التي تحفزك وتدفعك إلى العمل، وتبث بك الحيوية
والنشاط، وعلى عكس الشعور بالملل الذي يبعث على الخمول والكسل والبطأ في تنفيذ
الأعمال.
-
الأسباب التي تدفع إلى الشعور بالملل:
1. الرتابة في العقل:
إن تكرار نفس الأعمال، يؤدي
إلى نقص في التحفيز وإلى غياب الرغبة في الإبداع، وهذا بدوره يسبب الإرهاق العقلي
الذي يبعدنا عن التركيز وعدم الاهتمام بتفاصيل المهام التي نقوم بها، كما أن
المهام والواجبات المكررة والتي يمكن معرفة نتائجها مسبقاً، أو التنبؤ بما يمكن أن
نحصل عليه، سوف يوصلنا إلى حالة الشعور بالملل.
2.
عدم وجود التدفق والاندماج الكامل بالمهام:
إن التدفق حالة من الاندماج
والانغماس في مهمة صعبة تتطابق أو أعلى قليلاً من قدراتنا. يحدث التدفق عندما يحدث
تتطابق بين مهاراتنا وقدراتنا مع التحدي الذي نواجهه في بيئتنا، ومع الأهداف التي
نسعى إلى تحقيقها.
إن المهام التي تكون
سهلة، وذات الطبيعة الأقل من مستوى مهاراتنا سوف تؤدي بنا إلى الملل.
3.
الحاجة إلى الجدية والإثارة:
إن بعض الأفراد أكثر
عرضة للملل والضجر من غيرهم، وهم الأشخاص الذين لديهم حاجة قوية إلى الجدية والإثارة
والتنوع، يكونون عرضة لخطر الضجر والملل، فهم ينظرون إلى العالم بأنه يتحرك ببطء
شديد وبعيداً عن المسار الصحيح.
4.
عدم القدرة على تركيز الانتباه ونقص الاهتمام:
الأشخاص الذين لا
يمتلكون القدرة على تركيز أنتباههم في تفاصيل المهام والأهداف والأولويات يميلون
إلى الملل والضجر وفقدان الاتجاه. وكذلك الحال مع الأشخاص الذين لديهم اضطراب نقص الانتباه
أو فرط الانتباه، يكون لديهم ميل كبير للشعور بالملل.
5.
عدم وجود الوعي العاطفي:
إن الناس الذين يفتقرون
إلى الوعي الذاتي هم أكثر عرضة للملل والضجر أكثر من غيرهم، فالشخص الذي يشعر
بالملل غير قادر على التعبير عما يريده أو يرغب به، ويكون لديه مشكلة في وصف
مشاعره، وكذلك الأمر مع من لا يمتلك القدرة على معرفة ما الذي يمكن أن يجعله يشعر
بالسعادة سوف يُصاب بالشعور بالملل والضجر الوجودي الأكثر عمقاً من الملل العادي.
إن عدم معرفة ما نبحث
عنه، فهذا يعني على أننا نفتقر إلى القدرة على اختيار وتطوير الأهداف المناسبة
للمشاركة في بناء العالم الذي نعيش فيه، وهذا بدوره سوف يؤدي بنا إلى الملل
والضجر.
6.
غياب مهارات الترفيه الداخلية:
إن الأفراد الذين
يفتقرون إلى الموارد الداخلية للتعامل مع الملل بشكل بناء وفعال سوف يعتمدون على
التحفيز الخارجي من المُلهيات والمشتتات، مما يؤدي إلى تفاقم مشاكل أخرى، وعدم حل
المشكلة الأساسية المرتبطة بالملل والضجر، أي أنهم لا يصلون إلى جذر المشكلة.
إن غياب مهارات التسلية
الداخلية والترويح عن النفس بشكل ذاتي، سوف يؤدي إلى الاعتماد على العالم الخارجي
بشكل دائم لتوفير ما يكفي من الإثارة والدافعية، وهذا لن يحل مشكلة الملل إلا بشكل
مؤقت.
7.
عدم القدرة على التحكم بالذات:
يشعر الناس بالملل
كثيراً، عندما يشعرون بأنهم محاصرون ومقيدون، فالشعور بالتقييد وعدم القدرة على
ممارسة الإرادة بحرية الاختيار فيما نود فعله، سوف يشعرنا بالملل والضجر، وخصوصاً
عند وجود أفراد يتحكمون في توجيه حياتنا وأفعالنا بشكل مستمر.
8.
عدم وضوح حكمة الشعور بالملل:
في القرون السابقة
تعرفنا على هذا، لم يعرف البشر الملل كما نعرفه نحن الأن، لأنهم كانوا يقضون أغلب
وقتهم في تأمين الطعام والمأوى، فلم يكن لديهم وقت لإضاعته، ولم يكن لديهم وسائل
كثيرة من التشتت والملهيات، لذلك لم يكن الملل خياراً موجوداً في حياتهم.
الإنسان في الوقت الراهن وبوجود الوقت المتاح
وغياب الأنشطة الجادة وانتشار الكثير من المُلهيات والمشتتات بدأ يشعر بالملل
والضجر، وهذا الشعور له حكمة في حياتنا المعاصرة، التي تغيب عن أذهان الكثير من
الناس، فالملل كما عرفنا في حكمته أنه ينبهنا إلى نقص في قدرتنا على النمو
والتطور، وأنه يمكن أن يكون دافع لنا، لتحقيق الإنجازات ورفع مستوى الإنتاجية،
وزيادة التركيز على التفاصيل والمهام والأولويات، والعمل على تطوير أهدافنا
والتعرف عليها بصورة مستمرة، لجعلها تتحدى قدراتنا ومهاراتنا.
إن من حكمة الشعور
بالملل بأنه يجعلك متحفزاً للعمل على أهداف جديدة تشبع احتياجاتك وتلبي رغباتك،
وأيضاً من حكمة الشعور بالملل أنه يوفر لك فرصة لإعادة التأمل والتفكير في ذاتك
وأهدافك وعلاقاتك وكيفية التركيز في عدم إضاعة الوقت على الأنشطة التي لا تحقق لك
نمواً وتطوراً في حياتك.
-
أعراض الشعور بالملل:
يتميز حصول الملل
بالشعور بالفراغ، وعدم وجود الاهتمام بما يحدث، وضعف التركيز على المهام، والشعور
باللامبالاة، والشعور بالتعب والعصبية والتوتر، وصولاً إلى الشعور بالإحباط نتيجة
الفراغ والوحدة والغضب والقلق على المستقبل.
-
من هم المعرضون للشعور بالملل:
يعاني الجميع تقريباً من
مشاعر الملل والضجر من وقتٍ لأخر في حياتهم، بعض الفئات العمرية قد تعاني من الملل
أكثر من غيرها، فمثلاً مرحلة المراهقة والشيخوخة يشعرون أكثر من غيرهم بالملل،
والرجال عموماً أكثر ميلاً للشعور بالملل من النساء.
كما تم ملاحظة أن ازدياد
مستوى التعلم والغزارة فيه عند الأفراد يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالملل، عن أولئك
الأفراد الأدنى تعليماً.
-
الوقاية من الشعور بالملل:
إن الشعور بالملل شائع
في جميع الأعمار، وبعض الملل أمر لا مفر منه، ومع ذلك، فإن تعلم كيفية منع الملل
والوقاية منه سوف يساعد كثيراً على التقليل منه، وخفض انعكاساته على مجريات وأنشطة
حياتنا فيما إذا اتخذنا التدابير اللازمة:
-
أحتفظ بسجل للظروف التي تشعر فيها بالملل، لاحظ الوقت من
اليوم، والمكان، والأنشطة التي تسبق شعورك بالملل.
أفعل ذلك حتى تتمكن من تجنب تلك الظروف ولكي تكون مستعداً لمواجهة الملل في
المستقبل.
-
أجعل المهام الروتينية أكثر إثارة من خلال إضافة عنصر
فريد، على سبيل المثال قم بإجراء توقيت لكل مهمة تقوم بها، وحاول أن تنجز المهمة
خلال الوقت المحدد.
-
نفذ جميع المهام المتكررة بالتتابع، مهمة وراء مهمة.
-
حاول تجزئة الأعمال الكبيرة إلى أجزاء أصغر، وقم
بالتخطيط للاستراحات أو المكافآت بشكل منتظم.
-
حاول إنشاء قائمة مسبقة من الأنشطة الممتعة في حال تعرضك
للشعور بالملل. مثلاً عند حدوث الملل أقوم بما يلي لمدة نصف ساعة إلى ساعة وذلك
بالمشي قريباً من المنزل، أو مشاهدة حلقة مضحكة من البرامج الكوميدية، أو مراجعة
ومطالعة كتاب ممتع، أو قراءة مقاطع تحفيزية أو مشاهدتها على اليوتيوب ... الخ.
-
حاول أن تعيد النظر من وقت لأخر في برنامج أهدافك وأنشطتك،
وقم بإجراء تطوير مناسب لها لجعلها أكثر تحدياً لقدراتك ومهاراتك.
-
علاج الشعور بالملل ذاتياً:
يمكن أن يكون الشعور
بالملل والضجر وصولاً إلى مشاعر الفراغ غير محتملة، ويمكن أن تقود حياة الناس إلى
حالة انعدام الأمل وفقدان الشعور بمعنى ومغزى الحياة.
وعلى العموم وكما تم
توضيح ذلك مسبقاً يكون العلاج الذاتي منطوياً في ثلاثة إجراءات بسيطة تقوم بها:
1. تحديد نوعية المشاعر
والتعرف عليها.
2. تحديد السبب أو الأسباب
التي قادت إلى تلك المشاعر.
3.
تصميم الاستجابة المناسبة
للتعامل مع الشعور المزعج والقضاء عليه.
ففيما يخص الإجراء الأول
والثاني (تحديد نوعية الشعور، وأسبابه) فمن خلال المطالعة النظرية للفصول السابقة
والفصل الحالي ومراجعة سجل الملاحظات الخاص بك، تستطيع تسمية شعورك والاعتراف به وقبوله.
وبعد ذلك تقوم بتسجيل الأسباب التي لاحظتها فعلياً والتي أحدثت ذلك الشعور.
وأما الإجراء الثالث
والمتضمن تصميم الفعل المناسب الذي سوف تقوم به لمواجهة الشعور بالملل، وهذا ما
نسميه الاستجابة المناسبة لمواجهة الشعور بالضجر والملل وإليك بعض الاقتراحات
التالية التي تساعدك على تجاوز الشعور الملل، وبإمكانك تصميم الاستجابة التي
تناسبك والتي تلبي احتياجاتك استدلالاً بالآتي:
1. أبحث عن أهداف جديدة
تتحدى بها قدراتك، وتكون ممتعة لك، وتحقق لك الفائدة على مستوى الحياة والعمل
والعلاقات الاجتماعية.
2.
أختر مهارة ما، أو تعلم
عمل جديد، لتصبح فيها خبيراً.
3. تعلم لغة جديدة.
4. القيام بخدمة المجتمع،
والالتحاق بالجمعيات الخيرية وتقديم المساعدات للمحتاجين.
5. قم بتلخيص كتاب مفيد، وانشره
بين الأصدقاء.
6. أتصل بالأصدقاء المخلصين
والتقي بهم من فترة لأخرى.
7. مارس الأنشطة الرياضية
وأهتم بصحتك وجسدك وغذائك.
8. قم بإجراء رحلات إلى
الطبيعة مع العائلة والأصدقاء.
9. ضع جداول زمنية لتحقيق
أهدافك وألتزم بها، وقم بتحديد أولوياتك.
10.
التزم بنقاط قوتك المتمثلة بالفضائل وابذل الجهد في
البناء المستمر للوعي والعناية والتحكم بالذات.
11.
أختر الأنشطة ذات الجودة العالية التي تضمن لك نوعية
حياة وعلاقات جيدة، عش حياتك وعلاقاتك بأقل أخطاء.
12.
أبتعد عن الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية
ومشاهدة التلفزيون، إلا في أوقات محددة لا تزيد عن الساعة أو الساعتين، في أقصى
حد، ولا تجعلها وسيلة لملأ الوقت وإضاعته.
13.
لا تؤجل أعمالك المجدولة واقضي على التسويف والمماطلة
وقم بتنفيذ أعمالك حسب المخطط الزمني لها.
د. أيمن قتلان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق