على الرغم من أن العديد منا قادرون على التحدث مطولاً
حول موضوع فقد شخص عزيز، أو شيء مهم، إلا أنه مازال لدينا الكثير لنتعلمه عن كيفية
التعامل بحكمة مع عواقب الفقد، والذي يُعرف بالحزن، والذي يعتبر رد فعل طبيعي على
عملية الفقد والخسارة.
إن الفقد والخسارة وما يتبعها من حزن وألم هي
تجربة إنسانية عامة وعالمية وتشملنا جميعاً، ففي الحزن لا يوجد خطأ أو صواب، بل
نحن نحتاج إلى قبول الأمر برضا وتسليم سواء في أنفسنا أو في الأخرين، وعندما نفهم
الطبيعة الحقيقية للحزن يمكننا أن نتجاوز أحزاننا بسرعة وبفائدة وحب وتقبل منتقلين
إلى متابعة الحياة بشكل طبيعي ودون الشعور بالذنب، فقصة الموت والفقد والخسارة، هي
قصة الحياة وسيرتها الممتدة من الأزل إلى الأبد لدى كافة الشعوب والأمم.
إن الحزن ليس بمشكلة بحاجة إلى حل، بقدر ماهي
تحتاج إلى فهم وقبول وتكيف وإدارة للتعامل مع اللحظات المؤلمة من الحزن والفجيعة
التي نتعرض لها جميعاً وبدون استثناء.
ففي مرحلة من مراحل حياتك، سوف ينهار كل شيء
تعرفه أو تحبه أو تمتلكه فهذه هي الحياة التي نعيشها مع الخسارة، وفي كل خسارة
تختبرها يكون الألم كما يكون الأمل في الشفاء والانتقال مجدداً إلى الحياة
الطبيعية، سوف تنهمر الدموع غزيرةً لأيام وأيام، أنت تحزن على الخسارة التي
تعايشها من فقد لأب أو أم أو أخ أو أخت أو عزيز غالي، أو فقد للممتلكات والأموال
أو خسارة الأعمال والوظائف، حتى خسارة العلاقات بالانفصال والابتعاد عمن كانوا في
يومٍ من الأيام يشكلون معنى لحياتك كالزوج أو الزوجة أو الأبناء أو الأصدقاء،
فهكذا هي سنّة الحياة، وعلينا أن نفهم ذلك، وأن نتعايش ونتكيف معه، فالشعور بالحزن
عن أي فقد وخسارة، هو شعور جيد عندما نفهم الحكمة واللغة الخاصة للمشاعر، فالحزن
يحاول أن يخبرنا عن مدى خسارتنا وفداحتها، كما أنه يحاول أن يخبرنا عن ضرورة اتخاذ
الإجراءات التصحيحية والصحيحة، لمواصلة مسيرة الحياة، فالحزن هو صوت يقول لك: لقد فقدت
شخصاً ما، أو شيء مهم بالنسبة لك، وعندما تختبر تلك الخسارة يكون الشعور الناتج هو
الحزن.
نحن بحاجة إلى التمسك بالحياة وبالناس
والأشياء الهامة لنا، ولكن ذلك أشبه بالمستحيل، لأنك لا تستطيع أن تفعل ذلك، فأنت
لا تستطيع أن تسيطر على مجريات الحياة بما يتوافق تماماً مع حاجاتك ورغباتك، فأنت
لا تستطيع أن تمنع الموت عنك أو عن احبائك، كما أنك لا تستطيع أن تمنع الشيخوخة من
الوصول إليك، أو أن تدرء عن نفسك المخاطر العديدة التي تواجهها في حياتك من مرضٍ
وخسارة الأعمال والوظائف، والأموال، والممتلكات، والأصدقاء، كل ذلك يحدث فعلياً
بالحياة مسببة لك الحزن والالم، وأنت لا تستطيع أن تمنعه، إنما فقط تستطيع أن
تفهمه وتتقبله وتتعايش وتتكيف معه من أجل أن تستمر الحياة في رحلتها حتى النهاية.
عندما نفهم الحزن وحكمته يمكن اعتباره نقطة
انطلاق للبناء والإنشاء، فهو منعطف وتحول هام في حياة الإنسان، يكون بمثابة مواجهة
للتحدي الذي تعيشه حزناً على الخسارة، لكي تتجاوز تلك المحنة، وإلى وضع أفضل.
لقد عرفت امرأة توفيت والدتها بشكل مفاجئ،
وقد ألمها ذلك جداً وترك في نفسها فجوة عميقة من الحزن والمرارة والغضب، وكان من
الصعب عليها التعايش مع هذه الخسارة الفادحة والفجيعة المؤلمة، فساءت أحوالها
كثيراً، إلى أن جاءت وحضرت أحد برامجي التدريبية وفَهمت تماماً ضرورة الاستمرار في
الحياة، وقد دعوتها إلى استخدام الكتابة للتعبير عن حزنها وألمها ومرارتها عبر
دفتر مذكرات يومي، تصف فيه بجمل وكلمات طبيعية مشاعرها وأحاسيسها، ومع استمرارها
بالكتابة يوماً وراء يوم استطاعت أن تتقبل خسارتها بوالدتها برضا وتسليم بقضاء
الله وقدره. لقد كان للكتابة دور هام في إعادة صياغة نمط حياتها بطريقة جديدة،
جعلتها أن تفهم أكثر طبيعة عملية الخسارة والفقد وكيفية إدارة المشاعر وفهم
حكمتها.
لقد أعادت الكتابة إلى حياتها التنظيم العاطفي
وهويتها التي كادت أن تفقدها في خضم أحداث الموت المؤلم لوالدتها، لقد تشكلت لها
حياة جديدة، لقد حولتها التجربة إلى كاتبة متميزة في مجال الرواية الإنسانية.
الحزن هو
شعور داخلي عادي وهو الشعورالذي يواجهه المرء في ردة فعله على الخسارة والفقد
للوقائع والعلاقات المحببة للإنسان.
أو يمكن
القول أن الحزن هو نوع من الألم الذي يواجهه المصاب عندما يتعرض لفقد غالي او إلى
خسائر كبيرة وشديدة في الممتلكات والأموال والعلاقات. ويشمل الحزن ردود فعل عاطفية
مثل الغضب والشعور بالذنب والقلق واليأس، أو يمكن أن تكون ردود فعل مادية متعلقة
باضطراب في النوم، أو تغيرات في الشهية للطعام والشراب، أو حدوث مشاكل جسدية
وأمراض مختلفة.
كما يمكن
تعريف الحزن على أنه استجابة متعددة الأوجه للخسارة والفقدان لشخص ما، أو للأشياء،
أو للعلاقات، التي كانت تربطنا بها رابطة ما، أو عاطفة قوية. وعليه فإن الحزن هو
الاستجابة أو رد الفعل العاطفي على الخسارة المادية أو المعنوية.
الحزن هو
الرد الطبيعي. إنها المعاناة العاطفية التي يشعر بها المرء عندما يتم أخذ منه شيء
ما عزيز على قلبه، وإن أغلب الحزن يكون مرتبط بحالات الموت للأحبة وهذا الحزن
مألوف لدى كافة الأفراد، والأمم، والمجتمعات، إلا أنه يوجد مجموعة متنوعة من
الخسائر التي تترافق بردات فعل حزينة، مثل حالة البطالة وعدم العمل، أو اعتلال
الصحة وفقد أحد الأجزاء الجسدية، أو نهاية علاقة مع شخص ما، او فقدان السلطة
والمنصب والوظيفة.
v
وعليه فإن الحزن هو فقدان للوقائع والعلاقات المحبوبة.
v
الحزن أمر شائع جداً وهو الشعور الداخلي العادي الذي
يواجهه المرء في رد فعله على الخسارة.
v
على الرغم من أن النقاش الأكثر شيوعاً حول الحزن يكون
حول وفاة أحد الأحبة، إلا أنه يمكن لأي خسارة كبيرة مثل تفكك العلاقة، أو فقدان
الوظيفة، أو فقدان حالة عيش معتادة، أن تؤدي إلى ردة فعل الحزن.
v
يمكن أن يأخذ الحزن زمن طويل للتشافِ والتعافي وخصوصاً
في حالة وفاة أحد الأحبة، وهو ما يعرف بالحزن المطول، وعموماً ليس هناك زمن محدد
للتشافِ، فهناك بعض الناس الذين يتعافون بسرعة لا تتعدى الشهر أو الأسبوع ويكون
هناك أخرون يستغرقون زمن أطول وهذا مرتبط بطبيعة الذكريات ونوعية العلاقات التي
يرتبط بها المثكول مع المتوفي أو الشيء الذي فقده.
v
الحداد هو التعبير الخارجي، عن فقدان أحد الأحبة، وعادة
ما ينطوي على طقوس تحددها الثقافة والعادات والتقاليد السائدة والمفاهيم
والمعتقدات الشخصية والعائلية والاجتماعية.
v
يمكن أن تكون الأثار السلبية المحتملة لردة فعل الحزن كبيرة،
وكثيراً ما تتفاقم بسبب المحفزات الحزينة أو الأحداث التي تذكر الفرد المفجوع
بأحبته، أو بالظروف المحيطة بفقدانه.
v
الأفراد المفجوعون بموت أحد أحبتهم غير المتوقع، قد
يكونون أكثر عرضة للمعاناة من الاكتئاب، أو اضطراب ما بعد الصدمة، أو الحزن
الطويل.
v
إن نصائح التأقلم والتكيف مع الحزن تتطلب أن يقوم الشخص
المفجوع برعاية نفسه والانتباه إلى أمور طعامه وشرابه ونظافته الشخصية وراحته،
والقيام بالتواصل مع أحبائه الباقين على قيد الحياة.
-
المراحل الخمسة للحزن والحداد:
لقد وصف
علماء النفس المختصون بدراسة الحزن والخسارة والحداد مراحلاً خمسة لهذه العملية،
وهي تختلف بالطبع من شخصٍ لأخر ومن ثقافة إلى ثقافة أخرى ومن مجتمع إلى أخر، فيمكن
أن يمر الأشخاص بكافة المراحل وبشكل متتابع، ويمكن للبعض الأخر ألا يمر إلا ببعضٍ
منها، وفي أحيان أخرى يمكن ألا تكون هذه المراحل متتابعة وغير موجودة، بل يوجد
مشاعر مختلطة مؤلمة وأفكار مزعجة وذكريات يتم استعادتها بشكل مستمر، وعلى الرغم من
كل ذلك فإنه من المفيد أن نضطلع على هذه المراحل فهي تساعدنا جداً في عملية الاستشفاء
والنمو واستعادة حياتنا التي توقفت لفترة مؤقتة حزناً وحداداً على ما فقدناه
وخسرناه وإليكم هذه المراحل الخمسة:
1.
المرحلة الأولى: تشمل الإنكار وعدم التصديق وحصول الصدمة
ويصيبنا الخدر والذهول والشعور وكأن العالم قد أصبح بلا معنى، وفي هذه المرحلة
تبدأ بطرح الأسئلة على نفسك، لماذا حدث معي هذا؟ ما هو الخطأ؟ لماذا أنا؟ وهكذا.
رويداً رويداً يبداً الأنكار بالتلاشي، لتبدأ بمواجهة الواقع.
2.
المرحلة الثانية: هي الشعور بالغضب، والغضب هنا مرحلة
ضرورية لعملية الشفاء وسوف يرافق الغضب مشاعر أخرى من القلق والتوتر، وسوف تشعر
بالظلم والألم من الحياة ومن الأشخاص ومن الأحداث، فالغضب هنا هو مؤشر لمدى حبك
إلى ما فقدت، وهو شعور طبيعي فكن مستعداً له.
3.
المرحلة الثالثة: هي مرحلة المساومة، ففي هذه المرحلة
تبدأ بالقول أنا كنت مستعداً أن أعمل أي شيء من أجل أن ينجو، وأن أرضي الله جل
جلاله وأن التزم بأعمال العبادة والدعاء وعدم التقصير في ذلك، ولكن قد فات الأوان
وأصبحت الخسارة موجودة، والأن سوف تقول سأكرس بقية حباتي من أجل الله سبحانه
وتعالى، ولن أزعج أحداً بعد اليوم، فالحياة فارغة ولا تستحق أن نقاتل بعضنا البعض،
فتبدو وكأنك قد أصبحت زاهداً في الحياة، وخلال هذه المرحلة يمكن أن تشعر بالذنب
تجاه الأخطاء التي ارتكبتها تجاه ما افتقدته وتجاه الأخرين، فتبدأ الأحداث تدور في
ذهنك وتتداخل هذه المرحلة مع المرحلتين الأولى والثانية، وتراوح في مكانك وأنت
تجتر ألامك وأفكارك، وربما تستمر هذه المرحلة لدقائق وربما لأسابيع أو أشهر، أو
ساعات.
4.
المرحلة الرابعة: وهي مرحلة الكأبة التي تأتي بعد انتهاء
مرحلة المساومة والشعور بالذنب، حيث يبدأ انتباهك ينتقل إلى الواقع والحاضر،
فالحزن يدخل قلوبنا وحياتنا بشكل عميق، وأعمق مما كنا نتصور، هنا نشعر بالألم
القوي والمعاناة لأننا لازلنا نفكر لماذا حدث هذا لي، فيرتفع غضبك وتدخل في عملية
المساومة والشعور بالذنب وأنت تشعر بالحزن وهو يفطر قلبك مسبباً لك الألم والعذاب،
حتى تشعر أن هذه الفترة وكأنها لن تنتهي. إن حصول الاكتئاب هو رد فعل طبيعي على
حادثة الفقد والخسارة وهو الخطوة الهامة في عملية الشفاء.
5.
المرحلة الخامسة: وهي مرحلة القبول والاعتراف، وفي هذه
المرحلة يبدأ الأنسان بالإدراك وقبول حقيقة أن احباءنا قد رحلوا جسدياً ولم يعد
لهم وجود مادي، وأن ذلك هو الواقع الذي يجب أن نعتاد عليه، بالطبع نحن لا نحب هذه
الحقيقة ولكن نتقبلها على مضض ونتعايش معها، حيث نبدأ بالتعود على عيش الحياة بدون
أحبتنا وما أحببناه، وهنا تبدأ عملية التغيير وإعادة ترتيب الأدوار وتعديل تفكيرنا
وتصرفاتنا وفهم مشاعرنا، ونبدأ بتعلم تنظيم الأمور بشكل جديد، حيث تبدأ حياتنا
مجدداً ونبدأ بالاستمتاع بالحياة مرة أخرى، إنما مع الشعور في بعض الأحيان بأننا
نخون من افتقدناهم، أن الحياة ستستمر ولا يمكن استبدال ما فقدناه، إنما نستطيع أن
نجعل هناك روابط جديدة وعلاقات جديدة ذات مغزى وتبعية جديدة، إننا هنا نبدأ
بالاستماع إلى احتياجاتنا فنبدأ بالتحرك والنمو والتطور، لنستثمر في علاقاتنا
وصداقاتنا فنعمل على التواصل مع الأخرين والانخراط في حياتهم، إننا نبدأ بالعيش
مرة أخرى، إنما ما كان لنا أن نفعل ذلك ما لم يأخذ الحزن وقته الكافي منا، فالحزن
في حكمته هو من يؤهلنا مجدداً للعيش مرة أخرى بعد الخسارة.
-
الحقائق الأساسية حول الحزن:
أن الحزن
يبدو على أنه تحدي صعب لسبب أنه لم نتعلم كيف نتعامل مع ما هو متوقع، وسوف تساعدك
هذه الحقائق التالية على فهم عملية الحزن التي تمكنك من التعامل مع الخسارة حتى
تستطيع الشفاء والعودة مجدداً إلى ممارسة حياتك مرة أخرى.
1.
الحزن أمر طبيعي:
الحزن ليس
مرض، إنه الاستجابة الطبيعية والبشرية للخسارة، وعليك أن تتصرف وفق ذلك، بما تراه
مناسباً للتعبير عن ذلك من خلال البكاء والشعور بالألم، إنما دون أن تفقد عقلك
وتصبح تصرفاتك هستيرية ومجنونة.
2.
الخسارة هي مسألة شخصية ومن حقك أن تحزن:
فعلياً يمكن
القول بأن الخسارة هي مسألة شخصية، والخسارة هي أسوء شيء يمكن أن يحدث لك، وأنت
الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يقرر مدى فداحة الخسارة التي تتعرض لها، وأنه من حقك
أن تحزن بالطريقة التي تراها مناسبة.
3.
الحزن هو العملية المناسبة للشفاء من الخسارة، وهذا لا
يتم إلا من خلالك:
الحزن مؤلم،
والخسارة هي من أصعب التجارب البشرية، تعلم أن تكون شجاعاً في مواجهة ألمك وخسارتك
فهذه هي سُنة الحياة.
4.
حزنك الذي تعيشه مرتبط ارتباط وثيقاً بطبيعة العلاقة
التي تربطك مع من فقدت ومدى جودتها:
كل علاقة
تحمل أهمية خاصة وفريدة بالنسبة لنا، ولكي نفهم عملية حزننا بالكامل علينا أن نفهم
طبيعة العلاقة بيننا وبين من فقدناه في حياتنا، فقد يحزن شخصان بسبب فقدان الزوج أو
الزوجة بشكل مختلف تماماً بسبب اختلاف الظروف ومدى جودة العلاقة بين المفقود
والمفجوع.
5.
الحزن هو عمل شاق:
الحزن يتطلب
المزيد من الطاقة الجسدية والعاطفية والعقلية، لذلك علينا أن نكون أقوياء لمواجهة
ذلك، من خلال الاعتناء بأنفسنا والشراب والراحة.
6.
لا يوجد وقت محدد للتعافي من الخسارة وإنهاء الحزن،
والسؤال الذي يطرحه أغلب الناس إلى متى سوف يستمر الحزن؟ الحقيقة لا يوجد وقت محدد
لذلك، فهناك من يستمر حزنه ساعات أو دقائق وربما أشهر وأسابيع، وآخرون يستمر حزنهم
إلى ابعد من ذلك. وكل ذلك مرتبط بطبيعة الذاكرة التي نمارسها في استعادة مجريات
الأحداث والعلاقة التي كانت تربطنا عبر المناسبات المختلفة كأيام الأعياد
والاحتفالات وروتين الحياة اليومية، لذلك الحزن سيأخذ وقته كي تتم عملية الشفاء من
الخسارة، وفي العادة يستغرق وقتاً أطول مما يتوقعه الناس.
7.
التعبير عن الحزن شيء لا يمكن التنبؤ به:
إن ردود
أفعال الناس تجاه الخسارة والتي هي بشكل طبيعي تمثل الحزن، لا يمكن معرفة ماذا
يمكن أن تفعل في حال تعرضك للخسارة والفقد بشكل مسبق، فالخسارة تأتي بشكل مفاجئ وأحياناً
بشكل متوقع، وفي كل الأحوال يجب عليك أن تكون مستعداً لمواجهتها بالحزن المفيد
للتشافِ وللعودة إلى الحياة مجدداً.
8.
قد تترافق مع الخسارة الكبيرة ببعض الخسائر الثانوية
التي تكون مرافقة لتلك الخسارة:
أن موت أي
فرد هو أمر بحد ذاته صعب جداً، وقد يعجل أو يكون سبباً في تغيرات أخرى تجرى في
حياتك، فعند بعض الأشخاص يمكن أن يكون الموت لأحد الأحبة هو فقدان للأمن المالي،
أو الاستقلال، أو خسارة المنزل، وقد تكون للبعض الأخر فقدان للدور الذي كان يقوم
به المفقود للشخص المفجوع، كما في حالة وفاة الأم وخسران الطفل بالإضافة الى فقدان
الأم دورها في الرعاية والاهتمام والحنان والمساندة والتشجيع، ففي كل خسارة كبيرة
يوجد خسائر ثانوية يجب أن نتعامل معها بصبر وقبول وأن نحزن على ذلك ونعيش الحداد،
لتبدأ حياتنا من جديد.
9.
الحزن يأتي ويذهب فهكذا سُنة الحياة:
الحزن ليس
مرضاً، ولا يوجد أحد مستثنى من الخسارة بكافة أشكالها وما يتتبعها من حزن وحداد
على ما افتقدناه، ففي الحزن عملية شفاء من الخسارة، تختلف تماماً عن عملية الشفاء
من المرض، كما في حالة التهاب اللوزات والحلق حيث تتناول الأدوية لتتم عملية
التعافي والشفاء بشكل تدريجي خلال أسبوع مثلاً. في عملية الحزن قد تعيش الألم أكثر
بعد مرور شهر على الوفاة والخسارة مما يمكن أن تعيشه في اللحظات الأولى للفقد حيث
تكون الصدمة والانكار وعدم التصديق، وربما يتكرر ذلك مراراً وتكراراً حتى يأخذ
وقته كاملاً، وقد تعيش لحظات تشعر فيها بالراحة لتأتيك لحظات تشعر فيها بالأسى
والحزن. ما يجب أن تعرفه أن الحزن كعملية شفاء من الخسارة لا تقم بشكل تدريجي
وخطي، إنما تتم عبر وقت أطول مما هو متوقع وسوف يتخلله لحظات من الراحة والاطمئنان
قد تطول أو تقصر، ليطل الحزن برأسه مجدداً، وهكذا يكون الحزن يأتي ويذهب إلى أن
يأخذ وقته الكافي الذي تكون فيه قد اعتدت على العيش مجدداً بدون ما تم فقده، حيث
ترتب حياتك بناءً على المعطيات التي اخترتها مع عملية الخسارة والحزن.
10.
عبر عن حزنك لمن تثق بهم:
الشخص
الحزين بحاجة إلى التعبير عن حزنه، وبالطبع لن تجد جميع الناس لديهم الاستعداد
لسماع حزنك، لذلك اختر بعناية الأشخاص الذين يتضامنون ويتعاطفون معك ومع حزنك
وألمك، فهؤلاء هم أنسب الناس الذين يمكن أن تختارهم للحديث إليهم عن حزنك لكي
يُمدوك بالدعم والعون ويشجعونك على مواصلة الحياة وتقبل ما حدث.
-
كيفية التعامل مع الحزن والخسارة:
يبدو الفراغ
الذي يبدأ عندما نفقد شخص عزيز على قلوبنا أو شيء ما نخسره هو الذي سوف يكون
مسيطراً على كل شيء وحتى على ذاتنا، ولا يوجد حل سريع للقضاء على هذا الفراغ الذي
يصاحب حزننا، وعلى الرغم من أننا نحزن، فنحن نعيش، إذاً ما الذي يجب أن نفعله من
أجل أن نعيش بأفضل ما يمكننا في ظل الخسارة التي تعرضنا لها، أو التي يمكن أن
نتعرض لها؟
مهما كان
شعورنا أو عدم شعورنا بعد موت شخص ما، أو خسارة تعرضنا لها، فمن المهم الاعتراف
بها وقبولها، وإن عملية الرفض والإنكار، أو محاولة ضبط النفس أمام الأخرين كثيراً
لكي نبدو أقوياء وعقلاء، أو الاعتقاد بأن ردود أفعالنا الطبيعية قد تكون مخجلة أو
تنفر الأخرين منا، هو أمر غير صحي وغير مفيد على المدى الطويل.
القوة هي أن
تسمح لنفسك كي تكون مستضعفة وأن تكون على حقيقتها، وأن تجيب بصراحة على أي أسئلة
تطرحها بشكل يومي على حالتك العاطفية.
فإذا كنت
تريد البكاء، اسمح لنفسك بالقيام بذلك، فالبكاء يهدئ ويطلق هرمونات الراحة ويزيل
هرمونات التوتر، كما أنه يساعدنا على استعادة التوازن العاطفي وتحقيق الاستقرار في
مزاجنا، وعندما تتعامل مع حزنك كن منفتحاً عليه، إن الموت والخسارة ينهيان حياة
جسدية ومادية ولا ينهيان العلاقة التي كانت موجودة، وأن كل ما تحتاجه هو عملية
إعادة ترتيب التواصل بشكل ما مع هذه العلاقة. حاول أن تستخدم حزنك نقطة انطلاق
لبناء شيء جديد في حياتك، وكما حدثتكم سابقاً، عن امرأة استخدمت الكتابة للتعبير
عن حزنها، وأن هذا الحزن كان البوابة التي فتح لها طريقاً جديداً لتصبح أديبة
بارعة في عالم الرواية.
مارس طقوسك
الخاصة حول الحزن، فعندما تحزن على فقد العلاقة بشكلها المادي، تستطيع أن تستعيدها
بشكلها التخيلي الواعي لكي ترحب مجدداً بمن فقدت، فقط امتلك الشجاعة على فعل ذلك،
وقم مثلاً بإجراء موائد للطعام المفضل لدى الفقيد وتقديمه للأهل وللأصدقاء
والمحبين والمحتاجين، قم بالدعاء المستمر عليه بالرحمة والغفران، وأن تكون داره
الجديدة أفضل من داره القديمة، قم بقراءة الأيات والتراتيل لروحه كلما استطعت إلى
ذلك سبيلاً. قم أيضاً بالتبرع ومنح الصدقات على روحه للفقراء والمحتاجين، وهناك
الكثير من الطقوس والعادات التي تجريها الأمم والمجتمعات في إعادة العلاقة
والتواصل مع الفقيد، ففي تلك الطقوس يجري تغيير لعلاقتك بالحزن الذي تشعر به.
وإليك
الخطوات التالية لإدارة حزنك:
1.
قم بتحديد الشعور وتسميته (حزين) أو أي اسم أخر للحزن
والذي يعبر عن مستوى معين من شدة الحزن (غير سعيد)، (مكسور القلب)، (مخنوق)، (متضايق)....
الخ.
2.
قم بتحديد سبب الشعور، مثلاً لقد فقدت شخص ما، أو شيء
مهم بالنسبة لي، ثم بين مدى الخسارة وشدتها، ثم وضح ما هي احتياجاتك.
3.
ضع وصمم الاستجابة المناسبة للتخفيف من الحزن.
v
اسأل نفسك ما هي الإجراءات التي يمكن أن أقوم بها لكي
اخفف من حالة حزني بناءً على حالة الخسارة والفقد الذي أنت فيه؟
v
أسأل نفسك هل هناك فعلياً يوجد خسارة؟
v
هل يمكن إعادة الشيء المفقود، أو الشخص الذي خسرته؟
v
كيف يمكننا أن أفعل ذلك؟
v
ما هي البدائل التي يمكن أن أقوم بها في حال لم أتمكن من
استعادة ما هو مفقود؟
v
ما هي الإجراءات التي يمكن أن أتخذها لتغيير الوضع في
حالة فقدان شخص عزيز؟
v
قم بممارسة الامتنان والشكر لله تعالى على النعم التي
لازلت تمتلكها.
v
قم بتطوير منظور جديد من خلال إعادة بناء تصوراتك
الذهنية بطرح أسئلة من قبيل:
·
هل الموت هو خسارة أم فقدان اتصال، ام ماذا؟
·
هل كان الموت هو خسارة حقاً؟ كيف ذلك؟
·
هل يمكن إعادة المفقود؟ إذا كان نعم كيف؟ وإذا كان لا،
فماذا يجب علي أن أعمل؟
·
ما هو المنظور الجديد الذي سوف يتيح لي الشعور بالسلام
مع وجود الخسارة؟
·
دوّن كل ذلك في دفترك وكن واعياً به، فالوعي بالخسارة
يدفعك لابتكار طرق جديدة للحفاظ على حياتك آمنة، ويجعلك تعمل على تطوير منظور جديد
يساعدك على تجاوز محنة الحزن.
-
ادرس بعناية كافة الإجراءات التي تقوم بها، وتأكد من أن
ما تقوم به فعلياً يساعدك على التخلص من الحزن.
لقد تعرفنا في هذا الفصل على حكمة الشعور
بالحزن على أنه وسيلة للتعافي والشفاء من الخسارة والفقد، وعلى أن الحزن يمكن أن
يشكل نقطة انطلاق نحو حياة وأدوار جديدة وإبداعات عظيمة من أجل استمرار الحياة،
أدعوك الأن إلى متابعة الرحلة بالتعرف على الشعور الذي يمكن أن يترافق مع الشعور
بالخسارة والحزن وهو ما سوف تضطلع عليه لاحقا.
د. أيمن قتلان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق