السبت، 3 أغسطس 2013

                    قراءة قصص القرآن وسنن الله التي لاتتبدل 

من فكر العلامة جودت سعيد.

يصل الإنسان إلى درجة تجعله غير قادر على الفهم ؛ هذه المقولة صحيحة بشرطيها الزماني والمكاني، ولكن الزمان سيرغمنا على قبول الحقائق طوعاً أو كرهاً، وإذا لم تكفِ الأدلة التي سيقت لحصول الفهم فانتظر المستقبل، لأن الأدلة ستأتي، وإذا لم تتمكنوا انتم من الوصول إليها فإن أبناءكم أو أحفادكم سيصلون، وسيخرج من أصلابهم من تكون له القدرة على الفهم والتغيير.
أين الشعراء؟ أين الكتاب؟ أين المتبصرون اين العلماء اين الحكماء واين العقلاء الذين يتمكنون من رؤية الحدث وفهمه بسننه، وتبليغه كما فهموه.
لقد ألغينا عِبر التاريخ وقوانين الأحداث، ومن ألغى عِبر التاريخ فإنه سيُطَالب بدفع الثمن، وسيظل يدفع الثمن إلى أن يملَّ ويضطر إلى قبول الأشياء التي ظل يرفضها طويلاً، صاغراً مطأطئ الرأس: (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ الْمَثُلاتُ) ] الرعد: 13/6 [، (وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً، وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ، وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً، وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ، أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا، بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً، وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً، إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا، وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً، أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ، إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً، أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) ] الفرقان: 25/38-45 [.
لم يذكر القرآن أحكام المواريث إلا مرّة واحدة، ولكن كم مرّة ذكر أحكام هلاك الأمم ونهوضها؟: (وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ، وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً)، وكم مرّة ذكر فرعون ذي الأوتاد؟ ذي الأهرامات التي تتحدى الأجيال: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ، إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ، وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ، يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ، وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ، ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ، وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) ] هود: 11/96-102 [(وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ، وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ، وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ، وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ، فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، …، وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ، وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ) ] العنكبوت: 29/38-43 [.
كيف نعيد الحياة إلى موات التاريخ والأحداث؟
كم يبدئ القرآن ويعيد أمثلة التاريخ وأحداثه التي حدثت في الماضي، وكم يحث على انتظار المزيد ليتجلى القانون وسنة الله؟
كيف فرغنا هذه الآيات الكثيرة من المعنى؟ وكيف صرنا نمرّ عليها صماً وعمياناً؟
هل نستطيع إعادة الاهتمام بأحداث التاريخ؟ وهل نستطيع أن نستخرج الحالات النفسية التي كان عليها الناس من خلال القصص القرآنية؟ وهل نستطيع أن نعرف المصائب التي حدثت لهم، والقوانين التي تربط الأحوال النفسية بتلك العواقب؟
ما هو التاريخ؟ وما هو الحدث؟ ما أركان الحدث التاريخي، وكيف نحلله؟ وما هو أصغر جزء يتركب منه التاريخ بحيث نستطيع أن نعزله لنقول عنه إنه حدث تاريخي؟
كيف يبدأ الحدث التاريخي، وكيف يتطور، وما هو مصيره ومآله وعاقبته، وما علاقة ذلك كله بقانون التغيير؟ (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) ] الرعد: 13/11 [، هذا هو قانون التاريخ، وهو يدل على أن ما بالأنفس هو مصدر الهلاك والنجاة.
إن ما بالأنفس  هو من صنعهم، وما بهم من عواقب هو من صنع الله: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ) ] العنكبوت: 29/40 [، و (كُلاًّ هَدَيْنا) ] الأنعام: 6/84 [، ومنهم من استحب العمى على الهدى.
والتاريخ كما يقول ابن خلدون: « في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول، وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق ».
كيف نحلل التاريخ وأحداثه، وكيف نفهمها؟ كيف سنفهم أيام الله ونتذكرها؟ (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ) ] إبراهيم: 14/5 [.
الإله وتصوراتنا عنه:
الحدث محكوم بخبايا النفس، فدعني أخبرك أن ما بنفسك هو إلهك ودينك، وأن أفكارك هي إلهك ودينك، فإذا قلنا: إن أفكارك لن تغن عنك شيئاً، فكأننا قلنا: إن إلهك لم يغن عنك شيئاً: (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) ] هود: 11/101 [، (وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً: أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً، إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا) ] الفرقان: 25/41-42 [.
لو قلنا: ما أغنت عنهم أفكارهم شيئاً، أو: إن كاد ليضلنا عن أفكارنا ؛ لما تَغَيّرَ من الموضوع شيء.
إن إلهك هو تصورك عن إلهك، وهو الكيفية التي تفهمه بها، وتصورك عن تصرفاته ومقاييسه وموازينه.
إننا نعظم الله كثيراً، ولكننا في واقع الأمر نعظم أفكارنا عنه ونتمسك بها.
لقد كان الذين يناصبون النبي العداء ؛ يثقون بأفكارهم ويقولون: (إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا، وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً، أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) ] الفرقان: 42-43 [، ولكنك حين تثق بأفكارك دون أن تربطها بالعواقب ؛ فإن إيمانك بالله يتساوى بالإيمان بالصنم، وليست العبرة بالأسماء ؛ بل بالمحتوى، وبالتصور الذي تحمله، سواء أكان عن الله أم الصنم: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ) ] فصلت: 41/23 [، (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ) ] آل عمران: 3/154 [.
إن ما بنفسك عن إلهك، وعن التاريخ هو الذي يضلك ويهديك، وإذا تعاملت مع سنن التاريخ وقوانين الله ؛ فستحصل على العواقب سواء أكنت تؤمن بالله أو بالصنم أو بقوانين الكون: (كُلاًّ نُمِدُّ هَؤلاء وهؤلاء) أي الذين يعملون للدنيا والذين يعملون للآخرة، من كان يريد العاجلة، ومن كان يريد الآخرة.
والمجتمع الذي يعمل وفق سنن الله، فإن هذه السنن تنجيه في العاقبة، في الآخرة، فعمله هو الذي ينجيه في الدنيا، ولكن الشرائع التي وضعها الله للنجاة في اليوم الآخر ؛ هي التي تبني الدنيا أيضاً، وارجع إن شئت إلى الأعمال التي ترفع درجاتك في الآخرة، وستجدها هي التي تبني دنياك على أحسن وجه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق